الوصال - خلفان الطوقي

ممارسة التجارة في الوقت الحالي ليست كالتجارة قديما التي كانت مبنية على عامل الثقة بين التاجر والزبون، اما ممارسة التجارة الان أصبحت معقدة ومتشابكة مع عناصر كثيرة، وأصبح متخذ القرار ليس فردا بل في احيانا مجلس إدارة، ومالك رأس المال ليس فردا، وإنما فردا او صندوقا استثماريا، وأصبح التاجر لا يفكر فقط في الاستثمار محليا او في نشاطا معينا، بل أصبح العالم كله بالنسبة له مكانا صغير جدا، يمكنه من خلال "هاتفه النقال" أن يرى الوجهة الاستثمارية الانسب والاجدى بالنسبة له، بل أكثر من ذلك، أصبح يختار القطاع وميزانية الاستثمار والصندوق الاستثماري الذي يتناسب مع توجهاته واهتماماته.

فسلطنة عمان حالها حال غيرها من الدول التي تتشابه في ظروفها وتكوينها، فهي إحدى الوجهات الاستثمارية او يراد أن تكون كذلك، والجهات الحكومية المعنية بممارسة التجارة استشعرت بذلك مبكرا، وأكثر ما يؤكد هذه المعلومة هو تأكيد مولانا السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله ورعاه وأطال في عمره- على أهمية تمكين القطاع الخاص والشراكة بينه وبين القطاع الحكومي، فلن تجد ايا من خطب مولانا السلطان إلا وتجد كلمة القطاع الخاص مذكورة في أكثر من جملة، وزاد استشعار الحكومة بأهمية تمكين القطاع الخاص خلال السنوات القليلة الماضية خاصة عندما وجدت الحكومة نفسها أنها لا تستطع الاعتماد الكلي على النفط كمصدر "أوحد" لرفد ميزانية الدولة او توظيف العمانيين والتي تتزايد أعدادهم عاما بعد عام إلى ما نهاية او القيام بالمشاريع التنموية التخصصية الكبرى من خلال مواردها المحدودة، فكان لابد أن تغير نظرتها إلى القطاع الخاص من "تابع" إلى "شريك" ومن "ضعيف" إلى "متمكن او ممكن"، وذلك من خلال أطر قانونية وتنظيمية حديثة ومنافسة للوجهات الاستثمارية الأخرى.

اربع قوانين تهم البيئة التجارية والاقتصادية، قوانين غاية في الأهمية وهي مشروع قانون استثمار المال الأجنبي، ومشروع قانون التخصيص، ومشروع قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، ومشروع قانون الإفلاس طال انتظارها من المستثمرين المحلين قبل المستثمر الخارجي، هذه مشاريع القوانين تحولت من مجلس الوزراء لتنتقل الى مجلس عمان بشقيه الشورى والدولة بصفة الاستعجال، ومن المتوقع رفعها لمولانا السلطان قابوس للاعتماد النهائي في القريب العاجل بإذن الله لتصدر بشأنهم المراسيم السلطانية، حيث أن هذه القوانين التي طال انتظارها ستحول السلطنة إلى وجهة أكثر جذبا للاستثمار الداخلي والخارجي، وستراعي سد أغلبية النواقص والثغرات التي كانت غائبة في السابق، حيث من المتوقع أن تراعي معايير الشفافية وقوانين المحاسبة الدولية، والتنافس مع البيئات الاستثمارية الأخرى وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، كما ستراعي على المبادي المبنية على الشراكة والثقة بين الحكومة والقطاع الخاص والاستدامة في ممارسة العمل التجاري والعشرات من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تصب في مصلحة الوطن والتاجر والمجتمع.

ماذا بعد خطوة المراسيم السلطانية واعتمادها من المقام السامي لمولانا السلطان المعظم؟ ، هنا يأتي الدور الفعال والمؤثر للأجهزة الحكومية المعنية بإصدار تراخيص ممارسة العمل التجاري كوزارة التجارة والصناعة ووزارة القوى العاملة ووزارة المالية وهيئة المناطق الصناعية وهيئة الدقم الخاصة للمناطق الصناعية وإثراء وغرفة تجارة وصناعة عمان ومركز التواصل الحكومي  وغيرها من الجهات المعنية بشكل او بآخر أن يقوموا بحملة تسويق هذه القوانين بكل الوسائل الإعلام المتاحة من أعلام تقليدي واعلام حديث محليا وعالميا، على أن يكون هدف هذه الحملة "إعادة الثقة" في التاجر او الصناديق الاستثمارية المحلية أولا، وتسويق هذه القوانين خارجيا لاستقطاب المستثمرين الافراد والصناديق من خارج الحدود العمانية، فخطوة المراسيم السلطانية واقرارها هي أحد عناصر النجاح الهامة حاليا، ولا تكتمل إلا بالتعريف بها وفوائدها من اجل هدف اسمى وهو تسويق السلطنة كوجهة استثمارية تنافسية مغرية، والمهمة ليست باليسيرة ابدا، وإنما تحتاج لتحمل المسؤولية ووضع مصلحة عمان أولا وعاليا، على أن تعي هذه الجهات أن السلطنة ليست هي الوجهة الوحيدة الاستثمارية الموجودة في هذا المحيط التنافسي، والأهم من ذلك أن تعمل بكل ما اوتيت من قوة على هذه "النظرية" لتحقيق هدف استقطاب عدد من المستثمرين للحصول على جزء من (كعكة) الاستثمار العالمي.

--:--
--:--
استمع للراديو