الوصال - خولة بنت سلطان الحوسني

بما أن النفط هو أساس المشاكل الإقتصادية التي يمر بها العالم بين الحين والأخر ونحن اليوم نمر في واحده من أكبر هذه الأزمات أعاننا الله على تداعياتها، وبما أنه متهم أيضاً بشكل خاص والوقود الأحفوري بشكل عام في ظاهرة الإحتباس الحراري، مما جعل مجموعة من العلماء الإقتصاديين لإصدار بيان بمناسبة يوم الأرض 2015 بأن يظل ثلاثة أرباع أحتياطات الوقود الأحفوري في باطن الأرض لتجنب تداعيات الإحتباس الحراري على الأرض. فأن هذا سبب آخر يجعل من الزراعة حل مثالي لتكون مصدر دخل جيد وصديق للبيئة، وآمن إقتصادياً من خلال الإبتعاد عن ما ينتهجه المسيطرين والمتحكمين بأسعار النفط من أزمات تثقل كاهل الشعوب والدول التي تعتمد عليه كمصدر دخل.

وبالنظر إلى الأزمة الحالية فأن للزراعة إيجابيات جمة كما ذكرت في المقال السابق من حيث الإكتفاء الذاتي في المنتجات الزراعيةوبالتالي إيجاد سوق قوي تنشيء منه شركات توفر مختلف الوظائف وتقلل من نسبة الباحثين عن عمل والتي تزداد بشكل سنوي، وعطفاً على تجربة الصومال في هذا الجانب وغيرها من الدول التي كانت تعاني من أزمات أولها المجاعة والفقر المذقن وأستطاعت أن تتعامل مع تلك الأزمات من خلال التركيز على الزراعة وتشجيع الشركات الكبرى للمزارعين من خلال تطبيق مبدأ (CSV) خلق القيم المشتركة بحيث يتم مساعدة أصحاب الأراضي الزراعية والمزارعين من خلال توفير الإحتياجات الأساسية لهم ليكونوا قادرين على زراعة أراضيهم وتقوم بعدها الشركات بشراء منتجاتهم وتسويقها وبعد ذلك تحفيزهم على التسويق من خلال توفير وتيسير منافذ البيع ليكونوا قادرين على الإعتماد على أنفسهم وتكوين شركات مستقله بهم تحمي مستقبلهم وتضمن لهم إستدامة طويلة الأمد وتدر بالدخل على الدولة والمجتمع ، لذلك فأن مبدأ المسئولية الإجتماعية (SR) والذي يساهم في إنشاء جيل إتكالي ليس محبذ لدى كبار الشركات كون أن آثره قد يكون مؤقت. 

واحدة من أكبر هذه الشركات والتي يمكن الإستفاد من تجربتها في هذا الجانب هي شركة يارا العالمية وهي شركة أسمدة نرويجية تأسست في العام 1905، وعلى الرغم من الأزمات والمطبات التي مرت بها وأهمها الحرب العالمية الثانية 1941م، إلا أنها تمكنت من الصمود والصعود والتوسع عالمياً لتصبح حسب تصنيف مجلة فوربس الأمريكية 2017 في المرتبة (27) عالمياً من حيث الشركات المتعددة الجنسيات من أصل أهم 250 شركة متعددة الجنسيات. هذا النجاج تشكل بعد مقدرتها للتعامل مع الأزمات التي عصفت بها من خلال التنويع والتجديد في منتجات الأسمدة وإعتمادها على التقنيات الحديثة في الإنتاج إضافة إلى التركيز على إنشاء المراكز البحثية لتعينها على تطوير منتجاتها والتقدم على المتوفر في السوق على أن يكون غير ضاراً بالبيئة وهذا ما أشتهرت به يارا العالميةأيضاً. جميع هذه الأسباب وغيرها جعلت منها شركة عالمية ناجحة في مجالها تنتشر في أكثر من 165 شركة حول العالم. أما بالنسبة لتطبيقها لمبدأ القيم المشتركة فقد ساعدها هذا المبدأ لتكون عوناً للكثير من الدول الفقيرة بالأخص في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا وذلك من خلال دعم المزارعين وشراء منتجاتهم وتسويقها عالمياً ، وبالتالي حازت على ثقة المزارعين وحسنت من إنتاجيتهم وشجعتهم على ذلك وأستطاعت خلق أعمال مستدامة. ويعتبر مشروع تطوير ممر النمو الزراعي الجنوبي في تنزانيا (ساجكوت) من أهم المشاريع التي قام على أساس مبدأ القيم المشتركة مع المزراعين من خلال إستغلال الأراضي وخلق مئات الآلاف من الوظائف الجديدة المستدامة وبالتالي زيادة حصتها في السوق. 

لو أستفيد من هذه النماذج الناجحة في عُمان لنشأ جيل معتمد على الزراعة مهتماً بتطوير تقنيات إنتاجها كل ما نحتاج إليه هو التركيز على الهدف ، التشجيع والتحفيز والتسويق بأهمية هذا القطاع أولاً كمنافس للنفط للإقبال عليه من قِبل الشباب الباحث عن عمل وتوفير وسائل الدعم اللازمة للنهوض به. كما يمكن الأستفادة من التكنولوجيا الحيوية الخضراء (green biotechnology) والتي تساعد في إنتاج النباتات معدلة وراثياً وتصنيع المبيدات الحشرية الغير كيميائية والأسمدة الحيوية وغيرها الكثير من التطبيقات التي تساعد في تطوير صناعة الغذاء وبذلك سنكون قادرين على زيادة نسبة الأراضي الصالحة للزراعة البالغة 7.07% من أصل المساحة الكلية للسطنة 31.43 مليون هكتار.

--:--
--:--
استمع للراديو