الوصال - خلفان الطوقي

سنسمع هذه المقولة كثيرا وهي أن "عمان بعد كورونا ليست كقبله" والاصح أن العالم كله بعد هذا الفيروس ليس كقبله، فهذه الأزمة ليست كالكساد الاقتصادي العالمي في عام ١٩٢٩م ، أو الأزمة المالية العالمية(٢٠٠٧-٢٠٠٨م) ، وليست كما فيروس سارس ٢٠٠٣ أو H1N1 في عام ٢٠٠٩م، او اعصار جونو عام ٢٠٠٧م أو فيت عام ٢٠١٠م أو مكونو عام ٢٠١٨م، أو أي أزمة مرت على العالم من قبل، والسبب أن خواص هذه الأزمة تختلف عن غيرها من حيث المصدر والشكل والسرعة ومدته ومساحة التأثير وإعداد البشر الذين تأثروا وصعوبة التوقعات الذي سيحدثه هذا الفيروس وغيرها من خواص معروفة أو مجهولة إلى الآن.

اهم الخواص لهذه الجائحة انها ستكون شاملة اجتماعية واقتصادية وأمنية وقانونية ونفسية وسلوكية، ولن تستثني أحد وستطال الجميع فقيرا او غنيا، صغيرا او كبيرا، تاجرا مستقلا او صاحب مؤسسة صغيرة او متوسطة أو موظفا او باحث عن عمل، بالمختصر ستتغير مفاهيم وأنماط وسلوكيات المؤسسات والأفراد بعد اليوم، انكشفت بعض آثاره وتتضح ملامح عواقبه يوما بعد يوم، وستنكشف بعض تبعاته بعد شهر او عدة شهور كاقصى حد ممكن، ولأن الأزمة كما يتضح أنها معقدة ومتشعبة وتطال الجميع، فالحل يجب أن يكون من الجميع بدون استثناء، ويستثنى منه فئات مجتمعية قليلة معروفة كالطفل او المريض ومن في مقامهما.

الحلول لن تكون بسيطة ولابد أن تكون ابتكارية واستثنائية وانسانية، والجميع لابد أن يساهم فيها، والجميع لابد أن يضحي بشكل او بآخر، ربما مستوى التضحية سوف يختلف بين الفرد والمؤسسة، لكن لابد من التضحية، والمسؤولية لن تكون على عاتق الحكومة فقط، بل الجميع دون استثناء، فصاحب البناية لابد أن يكون جزء من الحل، ويتوقع أن يقبل جزء من الايجار بدل الايجار كاملا، والبنك لابد له أن يقبل ان يبتكر هيكلة القروض بشكل ميسر لم يعتد عليه ويمدد فترات السماح لفترات أطول مراعيا فترة التعافي وعودة الأمور إلى طبيعتها، والموظف لابد أن يتوقع أن يأتي إليه مديره ويقترح عليه خيارات لم تكن مقبولة او مطروحة من قبل، والحكومة لابد أن تعي أن الكل خاسر، ولابد من دعم الفرد والمؤسسات التجارية بعدة طرق : مباشرة "ماليا" وفق قوائم الأنشطة التجارية المتضررة ودرجات الضرر، وبشكل "غير مباشر" من خلال اعفائهم من رسوم الخدمات الحكومية والضرائب والاتاوات وإلغاء غرامات المخالفات في فترة الأزمة وما بعدها لمدة ٦ أشهر على الاقل، "وتشريعيا": من خلال منحهم مرونة ومساحة كافية والعمل بالتراضي فيما بين صاحب العمل وبين من يعمل معهم من حيث المزايا الوظيفية او عدد ساعات العمل او اي تفاصيل أخرى في قانون العمل ومع موارديهم وعملائهم ، هذا فيما يخص الحكومة، ولا تقف المسؤولية هنا، إنما تمتد إلى المؤسسات الوقفية والجمعيات والفرق الخيرية وكل مؤسسات ذات النفع العام بأن تضع يدها في يد الحكومة وأن تركز مساهماتها في دعم الفئات المتضررة من الأفراد والمؤسسات وفق خطة عاجلة لا تحتمل التأخير.

التعافي لن يكون سريعا لعدة عوامل الذي يكون على شكل (V)، ويمكن أن يكون بشكل (U) الذي سوف يأخذ بعض الوقت، ويمكن تحقيق ذلك من خلال عدة عوامل: أولا التضحية من الجميع، ثانيا: تحمل المسؤولية، فالمسؤولية لن تقع على طرفا واحد فقط بل الجميع من أفراد ومؤسسات وحكومة ومؤسسات وقفية وجمعيات وفرق خيرية ، ثالثا: السرعة في الإنجاز، ويكون ذلم بتكوين فرق عمل عالية المستوى اقتصادية استشرافية في جميع المجالات دون استثناء الاجتماعي والتعليمي والسياحي والزراعي والتكنولوجي وغيرها من المجالات الاقتصادية، ومهمتها رصد حجم الاضرار، وتصنيف المتضررين في كل قطاع، وما هي الآلية المناسبة لدعمهم في اسرع وقت؟ وما هو التوقيت المناسب لتخفيف الإجراءات الاحترازية؟ وما هي الحزمة الاقتصادية المناسبة لتخفيف حدة الأضرار وتحفيزهم اقتصاديا لعودتهم من جديد؟ الأزمة الحالية أن لم يتم التعامل معها بحلول شاملة وسريعة، ستكون عواقبها مؤلمة وتأثيرها سيمتد كلعبة الدومينو (Domino Effect)، وكل معاناة تخلف افلاس - لا سمح الله - ستقود معها إلى افلاس مؤسسة او مؤسسات اخرى.. وهلما جرى، وبالتعاون والسرعة في ابتكار الحلول الاستباقية والتضحية وتحمل المسؤولية من الجميع يمكن أن نتفادى ذلك، وتجاوز الأزمة وسيناريوهاتها المختلفة.

--:--
--:--
استمع للراديو