الوصال- المكرم الدكتور إسماعيل الأغبري

معروف عن الزعيم الليبي السابق معمر القذافي كثرة مغامراته وشديد تقلباته مع جيرانه أو الإقليم أو العالم.

كثير الضجيج شديد الصراخ في المنتديات والمؤتمرات والمجامع واجتماعات جامعة الدول العربية حتى يصل الأمر بالتلاسن والخروج عن قواعد الدبلوماسية وخطاب الزعامات مع زعامات فلسطينية وخليجية ومغاربية وغيرها.

الزعيم الليبي السابق معمر القذافي كثير التحالفات والدعوات إلى الأحلاف والوحدة تارة دعوات لوحدة مغاربية وتارة دعوات لوحدة عربية أفريقية وتارة لوحدة ليبية مع دول مجاورة لكن سرعان ما تنتكس وينقلب على تلك الدول ويقلب ظهر المجن على من كان يسمهم بالحلفاء والأصدقاء.

تارة صدام مع جمهورية تشاد حتى كسر العظم وتارة صداقة وتنطلق التصريحات وكأن تشاد حبيبة وتارة يتم الانقلاب على ذلك وهو عين ما يقع مع السودان والعراق أيام صدام حسين.

الزعيم الليبي السابق يعتبر نفسه زعيما قوميا عربيا ووريثا شرعيا للزعيم القومي المصري جمال عبد الناصر وهو يعتبر نفسه مجددا بالإضافة إلى سيره على خط ثورة عبد الناصر بل يرى أنه ابعد نظرا وأكثر إدراكا وذلك واضح من خلال كتابه الكتاب الأخضر ومن خلال مسمى بلاده ومشاريعه.

الزعيم الليبي السابق معمر القذافي ذو نفس ثوري والثورة تعني محاولة االإكثار من الأتباع ولو بالقهر والغلبة والثوري يلتزم خطا وهو تصدير الثورة وتعميم الفكرة وتوسعة الدائرة وهذا قطعا يؤدي إلى صدام مع دول الجمهوريات والمملكات والسلطنات والإمارات وغيرها من الدول حسب النظام الأساسي لكل دولة ( الدستور )

الزعيم الليبي السابق معمر القذافي علاقاته مع دول الغرب تشهد تقلبات حتى يقول المراقبون إن الصدام بينهما آت آت وتارة تبادل عبارات حميمة حتى يخيل للبعض أنها تمهيد لتوقيع تحالف؟

جامعة الدول العربية تشهد عند حضور معمر القذافي مشادات وتجاذبات وعلو أصوات حتى يدفع ذلك المنظمون للاجتماعات وقف بث الكلمة.

معمر القذافي لا يعلم عن ثورة أو جماعة ناقمة أو مجموعة متمردة إلا وناصرها وأمدها بمال وسلاح أكانت منطلقاتها إسلامية أو شيوعية أو يسارية إلى غير ذلك من التوجهات.

منذ أن ولي جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد امر عمان عام ١٩٧٠ فإن معمر القذافي دأب على تحريض السلطنة للمطالبة ببعض الجغرافيا، وحيث إن المنهج السياسي في عمان قائم على احترام العهود والتزام المواثيق وحفظ المتفق عليه فإن هذا أغضب القذافي واشتد قوله وفعله على السلطنة من خلال التعرض لذات السلطان قابوس.

النظام الأساسي في السلطنة سلطاني وليس جمهوريا ولا يعرف القومية ابدا وليس ثوريا حتى يتفق مع القذافي الثوري.

الحكم في عمان بعيد جدا عن التلاقي مع توجهات القذافي ذات النفس الثوري وليس في السلطنة لا بالأمس ولا اليوم نفسا توسعيا ثوريا.

تمتاز السياسة العمانية بالثبات لا التقلبات بدليل أن السلطنة تقيم خير العلاقات مع دول الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حتى مع الدول التي قدمت دعومات للتمرد الماركسي الذي اشتعل أواره في بعض مناطق عمان، وهذا الدعم كان مقدما من بعض الدول المغاربية والشامية وبلاد النهرين وبعض دول الجزيرة العربية.

وكذلك امتازت علاقات السلطنة بالثبات وعدم التقلبات حتى مع الدول التي دعمت معارضات قائمة على أسس دينية، فالسلطنة لم ترد بالمثل فتدعم جماعات دينية أو ماركسية أو قومية في تلك الدول؛ لأنها لا تؤمن بسياسة الانتقام والتخريب والتآمر، فكل من أقام معها علاقات دبلوماسية لا يمكن اغتياله ولا الغدر به ولا نكث العهود معه ولا تبديل المواثيق في حقه فإن نقضت تلك الدول وبدلت ولعبت من تحت الطاولة فأظهرت جميل التصريحات بينما غذت من تحت الطاولة الفتن فإن المنهج السياسي في عمان الترفع عن الوجهين وإنما وجه واحد وعلاقات طيبة.

عمان لم تعتبر نفسها امتدادا لقومية؛ بل تؤمن بمنهج آخر، وهو: تعميق الوطنية، فالقوميات مشكلة وتبني أحدها يعني لهيب نار في العالم الإسلامي لأنه يموج بالقوميات العربية والفارسية والأمازيغية والتركية وغيرها ومن هنا فكان القذافي ربما يزدري هذا المنحى العماني.

القذافي داعم قوي للتمرد الذي ظهر في السلطنة بوجهه الشيوعي أو الماركسي وعلاقته بجلالة السلطان قابوس كانت غير حميدة منه طبعا بسبب هجومه المتكرر على جلالة السلطان والسياسة العمانية.

ومن مواقفه العجيبة الغريبة البعيدة عن أخلاق السياسة أنه في فترة قرر زيارة السلطنة وتم الإعداد الرسمي لاستقباله باعتبار أن المنهج السياسي العماني ترك المناكفات ومد حبال الوصل مع دول العالم كلها وليس فقط مع دول الجامعة العربية إلا أن القذافي في آخر لحظة غير وجهة الزيارة .

السلطان قابوس لم يزر ليبيا إلا قبيل سنوات من الإطاحة بالقذافي ولم يكن لليبيا سفير بعمان إلا في سنوات متأخرة جدا.

المنهج السياسي والدبلوماسية العمانية بعيدة جدا جدا عن منهج القذافي خالية من المغامرات بعيدة عن المؤامرات حتى ضد من تآمر على السلطنة ودعم التمرد في عمان بدليل ذات القذافي الذي انشق عليه رفاقه وانشقت عليه الجماعة الإسلامية فإن السلطنة لم تفتح اراضيها لمعارضيه ولم تسخر لهم إعلامها ولم تمدهم بسلاح ولم تكن عمان مأوى مع أن فرصة الانتقام من القذافي مواتية لكن المنهج السياسي العماني لا يعرف اللعب من تحت الطاولة وتخريب البلدان.

ومن الأمثلة أيضا على سلامة المنهج السياسي العماني وتجنب التلاعب باستقرار الدول هو عدم انتقام السلطنة من حزب البعث في سوريا الذي أيد أطرافا عمانية منها التمرد الماركسي ولما انشق عبد الحليم خدام لم تنتقم السلطنة من سوريا فتؤويه أو تدرب قواته أو تمنحه أذرعة إعلامية وإنما احتفظت بالعلاقات الرسمية حسب الأعراف الدبلوماسية.

كان العراق موئلا ومعسكرا لتدريب أنصار طلاب إعادة الإمامة ورغم ذلك فإن المنهج السياسي العماني لم يدعم حربا على العراق انتقاما ولم يسلح معارضة ولم يسع لتخريب العراق مع أن هناك معارضات دينية وقومية وغيرها من المعارضات.

كما قامت دولة خليجية بدعم طلاب الإمامة تسليحا ورجالا وتدريبا وإعلاما لتقويض نظام السلطنة ومع ذلك فإن المنهج السياسي العماني ترفع عن ردة الفعل وتجنب تدريب معارضات في تلك الدولة انتقاما لأن السياسة في عمان لا تدار بالانتقام.

ما يسمى بجنوب اليمن كان منطلقا للجيوش التي تحارب عمان وكانت معقل المتمردين ومنها يشنون الهجمات ومنها يجدون السلاح القادم من كوبا والاتحاد السوفيتي والصين وبعض الدول العربية.

كان جنوب اليمن يشن حملة إعلامية بغيضة ضد ذات السلطان وضد وحدة الأرض العمانية ومع ذلك ولما تمكنت القوات العمانية من دحر التمرد لم تنتقم من اليمن وتجتمع مع أعداء اليمن لتنفيذ مخططات.

ولما رغب اليمنيون في الوحدة لم تكن السلطنة عائقا رغم أن وحدة اليمن جعلت السلطنة تأتي في المرتبة الثالثة جغرافيا في الجزيرة العربية بعد أن كانت تحتل المرتبة الثانية مساحةوكان يمكنها الانتقام وعرقلة ذلك لكنها لم تفعل ثم لما وقع قتال اليمنيين في التسعينات لم تغذ السلطنة الصراع ولم تسعر بينهم.


لو كان المنهج السياسي في عمان يقوم على سياسة تخريب البلدان لدخلت الحرب على اليمن لتقاسم الكعكة ولأنه لو دخلت لكان لها نصيب من القسمة مع قوات التحالف ولطلبت ممرات من قوات التحالف لبلوغ القرن الأفريقي مكافأة لها على القتال مع قوات التحالف لكن السلطنة تتجنب تخريب الدول مهما كان موقف تلك الدول سابقا.

الخلاصة لم يكن العقيد الليبي معمر القذافي حسن العلاقة مع السلطنة ولم تكن عمان ذات منهج قومي حتى تلتقي مع القذافي ولا تؤمن بالاشتراكية حتى تتفق معه ولا ناقة لها ولا جمل في المنهج الثوري وقطعا لا تؤمن بدعم المعارضات ولا تمول تفجيرات في الجو ولا البر ولا البحر ولا داخل الدول.

لم تقم العلاقات العمانية الليبية إلا مؤخرا وهي لم تترسخ ولم يمض عليها سنوات بل قامت بعد أن كان القذافي يصف عمان بأنها في حضن أمريكا وتحت ظل بريطانيا فهل والعلاقات على هذه الطريقة يمكن أن يبيح القذافي لعماني بما يضمره اتجاه دولة من الدول؟

هل يمكن للقذافي وهو يزعم بأن السلطنة في حضن الغرب خانعة حسب رأيه هل يمكن أن يعرض عليها تصوراته اتجاه دولة من الدول؟ كيف يطمئن الإسرار لدولة استمر يعاديها ويحرض عليها ويدعم الإساءة إليها؟ كيف لم يتوقع أن تفعل فعله فتنتقم منه بإباحة مخططاته؟

إن الرجل الثوري لا يبيح بمخططاطه إلا لدولة ثورية قومية اعتادت المغامرات ولها اليد الطولى في دعم المعارضات والقيام بالتفجيرات بينما السلطنة بعيدة عن منهج القومية والثورة والانتقام والتخريب.

إن العلاقة العمانية الليبية هي علاقة دبلوماسية شكلية جديدة لم تتجاوز أصابع اليد فكيف يمكن الانطلاق بحديث خطير والمصارحة بآراء لا ينبغي البوح بها؟

السياسة العمانية ترى كثرة تقلب القذافي مع حلفائه وكثرة تبدلات سياساته وهي لم يكن لها الوثوق في ذلك في أدنى أدنى أدنى أمر فكيف في أمر جلل؟

إن الفرد العادي الفقير في المعارف البعيد عن السياسة لا يمكن أن يأخذ ويعطي في حديثه مع شخص متقلب مزاجي فكيف بسياسي خبير يتحدث مع شخصية متقلبة تأذت السلطنة منها كثيرا وغير مضمونة الثبات على الرأي؟

المنهج في عمان إقامة علاقات دبلوماسية وعدم التدخل في شأن الدول وتجنب الانخراط في أحلام المندفعين والثوريين فعندما تقيم علاقاتها مع إيران تفخر وتعلن وتؤكد أنها لن تقطع العلاقات ولن تسحب سفيرها ولو سحبت دول الخليج سفراءها من إيران فهي لن تلعب تحت الطاولة تسحب سفيرها او تقلص التمثيل الدبلوماسي ثم تتعامل معها من تحت الطاولة؟

السلطنة بوضوح رفضت حمل قطر على منهجها لأن قطر دولة مستقلة كما رفضت سحب سفيرها منها فهي سياسة صريحة واضحة بعدم التدخل في شأن دول أخرى .

السلطنة واضحة من الموقف من سوريا لم تسحب سفيرها سحبا دبلوماسيا وإنما نقلته نقلا أمنيا ولم تقطع علاقات مع سوريا وهذا منهج سياسي لا التواء فيه وهي لا تلف وتدور ولا تلعب من تحت وفوق الطاولة .

خلاصة الخلاصة السلطنة ليست دولة ثورية قائمة على تصدير الثورة أو التناغم مع ثوريين وليست ذات نفس قومي تسعى لتوحيد دول تحت لوائها وليست توسعية بل تهتم بشانها بعيدا عن الاستقطابات والتجاذبات حتى بلغ ببعض أن يصفها بأنها سياسة عمانية ذات منهج منكفئ على نفسه.

المنهج السياسي العماني ( لكل وجهة هو موليها) علاقات مع الجميع الإقليم والعالم لا تؤمن بالتحالفات الكيدية ولا بالسياسة الانتقامية بل عدم التدخل في شؤون الغير هو منهجها وهذا واضح جلي في إعلامها أيضا فقلما تتناول أحداثا داخلية داخل دول.

--:--
--:--
استمع للراديو