الوصال- خلفان الطوقي

حراك نشيط ومتواصل في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة في حسابات التوتير والوتساب بين مؤيد ومعارض بعد تصريح معالي وزير النقل حين قال ان وظيفة سائق الطلبات (الدليفري) سوف تعمن ، بعد هذا الحراك، صدر بيان من وزارة النقل وضح فيه أهمية هذه المهنة، والعوائد التي تجنيها، وأن الوزارة تعمل مع شركائها لتهيئة البيئة الممكنة لتعمين المهنة.

الآراء ووجهات النظر التي طرحت في منصات التواصل الاجتماعي معظمها ركز على الجانب الاجتماعي فقط، وفي هذه المقالة سيكون الطرح مختلفا، ومن جوانب أخرى، منها ما هو اقتصادي أو تنظيمي، وقرار تعمين مهنة "سائق الطلبات" سيكون كدراسة حالة (case study) يعنى بهذا القرار أو أي قرارات قريبة من اي قرار لتعمين أي مهنة في المستقبل، وسوف اوجزها في التالي:

أطراف العلاقة: قبل أي قرار له علاقة بعدد من الأطراف ، لابد من الإجتماع بهم بشكل متواصل أو مع من يمثلهم، فمثلا في هذا القرار، فإن الأطراف ليست الوزارة والمواطن فقط، بل هم وزارة النقل ووزارة القوى العاملة ومركز التشغيل الوطني والصندوق الوطني للتدريب ومجموعة أسياد والمواطن، والتاجر صاحب السلعة (مقهى أو مطعم)، والتاجر صاحب خدمة (التوصيل) والمستهلك والقانوني الذي يراجع التشريعات ويرفعها للاعتماد، وبعد هذه الاجتماعات المكثفة والإضافات المتنوعة منهم جميها، لابد من الحصول على ضمانات أو عناصر النجاح أو نقاط توافق مشتركة (bottom line) تحقق المكاسب المنشودة لكل طرف، قبل الاقدام في اتخاذ القرار من عدمه.

تقييم التجارب السابقة: هناك تجارب في الميدان وما زالت كشركة "طلبات"، "اكيد"، "جيب"، "مندوب" وغيرها، كان يمكن الاجتماع بهم، والاستماع إلى وجهات نظرهم، والتحديات التي واجههتم أو ما زالت تواجههم، ومدى إمكانية تعمين هذه المهنة من عدمة، وسؤالهم عن ما هي البيئة المطلوبة لتمكين وتهيئة القطاع لتعمين هذه المهنة؟ وما هي الكلفة المالية لهكذا خطوة؟ وغيرها من وجهات النظر الميدانية الموضوعية والمنطقية، وبعدها يمكن اتخاذ القرار من عدمه، أو تأجيله لبعض الوقت.

التكاليف التشغيلية: من المعلوم أن أي قرار حكومي لابد أن يراعي المستهلك (مواطنا أو وافدا أو زائرا)، فهل مثل هذا القرار سيرفع أو سوف يخفض السعر عليهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ماذا عن التاجر صاحب المقهى أو المطعم أو المحل، ومعظمهم من العمانيين أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، هل تم مراعاتهم بشكل يشجعهم على الاستمرار في تجارتهم وضمان تطور نشاطهم وتوسعه، ام عليهم أن يتحملوا الكلفة التشغيلية بغض النظر عن استمراريته أو توقفه، وعليهم تعمين المهنة بشكل كامل او الاستعانة بالسائق العماني فقط، وإلا فلا.

القبول المجتمعي: اذا تم تهيئة المجتمع بالشكل المناسب والمخطط له قبل الإعلان عن القرار، وكان هناك دراسة ميدانية استقصائية وبرامج إعلامية تسويقية وتأهيلية وتدريبية، تمكن اصحاب القرار من قياس نبض المجتمع من الاقدام أو التردد أو تأجيل اتخاذ القرار، ولن تكون بأي حال ردة الفعل من المجتمع عنيفة ومتشنجة.

دمج الأفكار: بالرغم من التجارب الناجحة والفوائد التي تجنيها شركات التوصيل، علينا ان لا نتناسى أنها استثمرت مبالغ كثيرة قبل الوصول إلى هذا النجاح، ولربما تعمين المهنة بشكل كامل يعني القضاء أو التضيق عليها، ويمكن لمتخذي القرار تغير نمط الأعمال ودراسته وتقيم المبادرة، بمعنى لماذا لا يكون سائق سيارة الأجرة العماني متاحا لهو الاستفادة من هذه الخدمة، واضافة دخله المالي بمزيدا من الخدمات التي يقدمها، وبذلك يتحقق اكثر من هدف لجميع الأطراف، خاصة أن سائق الأجرة رجل ميداني ولديه خبرة طويلة وسلوكيات الالتزام والتحمل وغيرها من السلوكيات التي تضمن نجاح الفكرة، وتضمن الفائدة للجميع.

فترة التجربة الميدانية: كان من الممكن للجهات التشريعية قبل الإعلان عن القرار، تجربة المبادرة ميدانيا ولوجستيا "pilot"، وتقيم التجربة "داخليا" من كافة النواحي البشرية والمالية، وأن نجحت يمكنهم الذهاب إلى الخطوات اللاحقة إلى الخطوة الأخيرة، وهو اتخاذ القرار بعد دراسة وتمحص.

التطبيق التدريجي: كان يمكن لمتخذي القرار أن يتم التطبيق التدريجي للقرار لمدة ستة أشهر أو عام، بحيث يتم تعمين المهنة تدريجيا أو بنسب بسيطة للعمانيين في بداية التطبيق، وتكون هذه المرحلة هي مرحلة اختبار وتقيم ومراجعة، فإن كان هناك رضا من جميع أطراف العلاقة، يمكن التدرج في رفع نسبة التعمين وبشكل تدريجي ومدروس، ووفق معطيات وظروف سوق العمل، وهناك تجارب تعمين لوظائف أخرى، وتم تطبيق نفس هذه الآلية، وأثبت نجاحها.

تداخله مع أهداف أخرى: الواضح ان القرار في شكله ونواياه إيجابي، ويقصد منه التوظيف للعماني، ومحاربة التجارة المستترة، وتقليل التحويلات إلى الخارج، وأهدافا سامية اخرى ، لكنه في ذات الوقت، هل القرار يحظى بقبول مجتمعي؟ وهل يمكن للمؤسسة الصغيرة والمتوسطة المبتدية أن توظف عماني كوظيفة دائمة وبمرتب ومزايا مناسبة؟ هل سوف تصمد الشركات التجارية مع ارتفاع الكلفة؟ وهل سوف تستمر كلفة السلعة "تنافسية" للمستهلك؟ لابد من طرح عشرات الأسئلة الإضافية، فإن كانت الخلاصة تحقق أهداف وطنية شاملة، فلما لا، وأن كان يتقاطع مع أهداف وطنية استراتيجة اخرى، فالتأني والتأجيل لمزيد من الدراسة هو الأجدى.

موضوع التعمين سوف يظل يحظى بحساسية عالية في المجتمع، ولابد لأي متخذ قرار مراعاة كل الجوانب قبل التطرق إليه، فقد أثبتت التجارب التاريخية أن هناك كثير من القرارات اتخذت ورقيا، والغيت ميدانيا، ولتفادي هذا الإحراج مستقبلا، لابد من إشراك جميع أطراف العلاقة، والتحاور معهم، والاستماع إلى تجاربهم الميدانية، فلا قيمة لقرار يحقق هدفا واحد فقط، لكنه ينسف مكاسب واهداف كثيرة، ولتفادي ذلك خاصة في موضوع التعمين، لابد للجميع أن يعمل بعقلية الشراكة الحقيقية المبنية على التجارب الميدانية والحوار والنقاش والاستماع لجميع الأطراف والدراسة العميقة، بعيدا عن عقلية الاستحواذ والفاهم في كل شيء، بقي أن ننوه بأن الالية المذكورة في المقالة لا تقصد شخصا او قرار بذاته، بل معنية باي قرار أو قانون أو الية يراد تطبيقها مستقبلا ولها علاقة بأطراف أخرى، وإلا سنرى كثيرا من التشنج واللغط والجدال وسوء الفهم في وسائل التواصل الاجتماعي.

--:--
--:--
استمع للراديو