الوصال- خلفان الطوقي

تمر عمان بمرحلة استثنائية أكثر من غيرها من الدول، فبالرغم من تشابه الظروف والتحديات الكبيرة مع باقي الدول الخليجية، إلا أن الفقد العظيم للسلطان الراحل قابوس بن سعيد - رحمة الله عليه ورضوانه - باعث نهضة عمان الحديثة زاد من حجم المسؤولية على الدولة إذ بطبيعة الأمور وسنن الحياة تأتي ضرورة ترتيب البيت الداخلي من جديد، وساهمت الظروف الأخرى كفيروس كورونا، وانخفاض سعر برميل النفط في الشهور الماضية، واستمرار ارتفاع معدلات الدين العام في الإسراع من ضرورة ترتيب الوضع الداخلي للبلد.

هذه المرحلة ليست سهلة كما يظنها البعض، بل هي مرحلة جوهرية ومفصلية لما بعدها، تتطلب وقتا وجهدا وفكرا وإصلاحات شاملة، ولحسن الحظ قد ذكرها مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - نصره الله وايده - في أول خطابه لشعبه في شهر فبراير ٢٠٢٠م، وملامح التطبيقات قد ظهرت في الشهور الماضية بكثافة في شكل مراسيم وتوجيهات وأوامر سامية، ومن المتوقع أن يستمر الاعلان عنها تباعا خلال الشهور القادمة، والتي ستتوافق مع خارطة الطريق الشاملة الواضحة التي أطلقها مجدد النهضة في خطابه الأول.

تعتبر هذه المرحلة في غاية الأهمية لأنها تهدف إلى تحقيق عدة أهداف، وأهمها:

التجديد: عمر عمان تاريخيا يتعدى الآلاف من السنين، وعمر النهضة الحديثة ٥٠ عاما، فبعد مرور خمسين عاما، كان لابد من التقييم وإعادة ترتيب الأولويات والانطلاق الرشيق للمستقبل.

التخلص من الترهلات: يراد لعمان أن تكون رشيقة للمستقبل، وذلك يستدعي التخلص من جميع الحمولات الزائدة، والبحث عن بدائل بشرية وطبيعية تحقق انتاجية ملموسة وعوائد إضافية تظهر في الأرقام والحقائق.

الاستدامة: تاريخ عمان القديم والحديث ملء بالإنجازات في كل الجوانب، فالمسؤولية الوطنية في ظل الظروف المعقدة المحيطة اصبحت مضاعفة، وتتطلب استمرارية التنمية والتطور الملموس في الجوانب الحياتية المختلفة، ولا يتاتى ذلك إلا من خلال جهود مضاعفة ومبادرات خلاقة مبتكرة.

الانطلاق للمستقبل: قبل الانطلاق إلى المستقبل، لابد من وجود رؤية واضحة، واهدافا واقعية ، وخطة وأدوات اشرافية وتشريعية وتنفيذية ورقابية وتقيمية، وأن كانت المرجعية موجودة في الخطة الوطنية ٢٠٤٠، إلا أن المستجدات تتطلب مراجعتها من جديد، والتأكد من توافقها مع الظروف الطارئة، والتي جدت في هذا العام على وجه الخصوص

التنافسية العالمية: السلطنة ليست بمعزل عن العالم، فهي تجدد التزامها الكامل بكل المواثيق الدولية في المجالات المختلفة، لكنها في ذات الوقت، قررت دخول النادي العالمي والمنافسة في التقارير العالمية، كتقرير التنافسية العالمي، والالتزام بأهداف التنمية العالمية ٢٠٣٠، مع معرفة السلطنة المسبق بأن متطلبات هذه الجهات كثيرة ومعقدة، وأهم متطلباتها يتطلب منا مضاعفة الجهود، والعمل بحرفية ومهنية وفق معايير عالمية عالية الجودة من خلال كفاءات وطنية مؤهلة تأهيل علميا وعمليا قويا.

الثقة والمصداقية: احتفظت السلطنة بعلاقات جيدة مع الجميع، وتمتد العلاقات لأكثر من العلاقات الدبلوماسية، بل تمتد إلى العلاقات التبادلية في المجالات المالية والاستشارية والحقوقية وتبادل الخبرات في المجالات المختلفة، وما تقوم به السلطنة حاليا هو تعزيزا لاستمراريتها في تثبيت شعار الثقة والمصداقية في جميع تعاملاتها المنوعة.

ختاما، الانطلاق بصلابة وجسارة ورشاقة إلى المستقبل المليء بالتعقيدات ليس سهلا، بل يتطلب حزمة متكاملة من رؤية واضحة، وتخطيط عميق وتنفيذ سريع وخطوات جريئة ، وقرارات حازمة، وتعيين كفاءات أكثر تأهيلا، ودمج مؤسسات، وتغيير تشريعات، وتجديد قوانين، وتقييم ومراجعات دورية، وغرس مفاهيم وثقافة وأفكار تتوافق مع التوجهات القادمة، لذلك ترتيب البيت الداخلي لعمان هو ركيزة أساسية وجوهرية لحاضرها ومستقبلها داخليا وعالميا.

--:--
--:--
استمع للراديو