الوصال - خلفان الطوقي

لكل زمان دولة ورجال، ولكل مرحلة قرارات وأدوات، وأي مرحلة زمنية من عمر أي دولة لها ما لها، وعليها ما عليها، ولكل مسؤول حكومي سابق قرارات مؤثرة ساهمت في خدمة الصالح العام، وقرارات غير صائبة ابدا، واعتبرت بمثابة الكبوة وعطلت عجلة التنمية بشكل أو بآخر، وسوف تنطبق هذه القاعدة الأزلية على من يرأس المنصب الآن عندما يترك منصبه، لكن الذكاء الإداري للدولة قبل الذكاء الفردي أن تستفيد الدولة من المرحلة السابقة ومن عاصرها وترأسها، لأجل تعظيم المرحلة الحالية والمستقبلية، وسوف يأتي شرح ذلك في الأسطر القادمة من هذا المقال. قبل الخوض في الموضوع، تلقيت قبل عدة أسابيع دعوة من أحد المسؤولين الحاليين، خلاصة اللقاء أني قلت له في سياق تبادل الأفكار والنصح: هو أنك كمسؤول حالي عليك الاستفادة من كل ما قام به المسؤول السابق، والبناء عليه، وإن كان غير محبوب وسط موظفيه أو مسخوطا عليه في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، فأنت كمسؤول لست شخصا عاديا، تصدق دون تحري أو تتأثر بكل ما يصلك، لكن عليك أن تكون رجل دولة ناضجا وتقود مرحلة هامة من مراحل الدولة، وربما أصعبها، تدقق بعمق وتتحرى الحقيقة من عدة مصادر، وتستمع لكل الأطراف، وتجمع كل الأدلة والدراسات قبل أن تتخذ قرارك، فقرارك قد يكون مصيريا يؤثر على ملايين البشر بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.

الوزير أو رئيس الوحدة أو أي مسؤول كان بدرجة وكيل أو مدير عام أو من هو أقل من هذا المنصب، لن تقل قيمته أو وجاهته الاجتماعية في شيء إذا التقى مرة أو عدة مرات بمسؤول سابق لأخذ الاستشارة أو النصح تجاه موضوع معين، أو استعان بدراسة جدوى لمشروع طبق أو لم يطبق لسبب أو لآخر، أو اتخذ ذلك المسؤول

قرارا جيدا في المرحلة التي ترأسها، ويتناسب مع المتغيرات الحالية، فلا بأس أبدا في تبنيه أو البناء عليه. الذكاء الإداري للدولة هو أن لا نبدأ من الصفر، بل نكمل ونبني من حيث انتهى الآخرون، وذكاء المسؤول الحالي مهما كانت درجته هو الاستفادة القصوى ممن سبقه في المسؤولية، وقمة الذكاء والفطنة هو كيفية الاستفادة القصوى من المسؤول السابق من أفضل تجاربه وخبراته وخصاله وفكره، وتفادي الأخطاء أو ما كان يتداول من مساوئه، من يقوم بذلك لن يحسب ذلك ضده، بل هي ميزة وفطنة تحسب له. لو عدنا للتاريخ الحديث في عصر النهضة الحديثة، سنجد لأي مسؤول ترك الخدمة العامة خصالا معينة مهما كان مستوى شعبيته عاليا أو متدنيا، فلا ضير للمسؤول الحالي أو للدولة بشكل ممنهج ومؤسسي أن تستفيد من الخبرات السابقة، تترك منه الغث، وتستفيد وتعظم من السمين، فالسمين المقصود هنا هي الخبرات التراكمية والأفكار النيرة والممارسات الناجعة والقرارات الصائبة، فلا ضرر للدولة أو المسؤول الحالي أن يستفيد من التمازج الفكري وصهر الخبرات بين جيل سابق وجيل متحمس حالي من الدماء الشابة، فبكل تأكيد سيأتي هذا التعاون بنتائج جيدة خاصة اذا ابتعد هذا التكامل عن الشخصنة في المواضيع، وتم النظر بشكل أوسع وأعمق، وكان هم الطرفين هو التركيز على المصلحة العامة وكيفية تعظيم العوائد للدولة واستدامة التنمية جيلا بعد جيل، وتبقى عمان بحاجة للجميع، وتتسع للجميع.

--:--
--:--
استمع للراديو