الوصال - رحمة الحراصية/ كلية التمريض

 

فُجع قلبي هذا الصباح بخبر وفاة الوالد الجليل (مسؤولي السابق) الأستاذ الدكتور/ بزدوي بن محمد الريامي، أحد مؤسسي جامعة السلطان قابوس، والعميد السابق لكلية الطب والعلوم الصحية وكلية التمريض، وأول طبيب عماني في طب الأمراض الصدرية.

 

رجل حكيم شهد له الجميع بالإخلاص والتفاني في عمله، وباللطف والطيب في تعامله. تقف الكلمات عاجزة والعبارات قاصرة أمام وصف هذا الرجل الكريم، رجل عظيم لن يكرره الزمان، وإنسان تحلى بأعلى معاني الإنسانية السامية.

 

تعلمت منه أن الدين كله خلق فمن فاقك في الخلق فقد فاقك في الدين، فصارت شعاري في هذه الحياة، وتعلمت منه أن الإنسان كلما ازداد علمه زاد تواضعه، وأن الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.

 

سألته ذات يوم متى أصل لمستوى الحكمة التي لديك؟ فتبسم وقال: حين يشتعل رأسك شيباً، الخبرة تأتي مع التجارب، والتحديات يا ابنتي، فأدركت كم كافح وتحدى ليصل إلى ما وصل إليه.

 

كان لشدة تواضعه يناديني دائما بابنتي، ولا أذكر يوماً أنه أشعرني بأنه مسؤول وأنني موظفة لديه، كنت دائما أشعر بأنه والدي ومعلمي.

 

كان يراعي ظروف جميع الموظفين، ويساعدهم قدر استطاعته. لم يكن يتردد أبداً في تفريغي للمشاركة في الفعاليات الشبابية، والملتقيات الأدبية بل كان يشجعني على ذلك ويحثني على تطوير نفسي وإكمال دراستي.

 

ولا أنسى تلك الصباحات الجميلة حين كان يدخل علينا بابتسامته العريضة، وبيده أكياس الطعام التي يحضرها يومياً من بيته فيوزعها علينا، ولا أنسى تفقده لنا وسؤاله عن صحتنا إذا ما تغيبنا أو مرضنا، ولا أنسى مواساته لنا وجبره بخواطرنا إذا ما فقدنا عزيزاً لنا.

 

كان زاهداً شديد الزهد فلا أذكر يوماً أنه استخدم أي شيء من أدوات الجامعة، بل كان يحضر معه أوراقه واقلامه وكل ما يحتاجه للعمل، وكان متفانياً في عمله يقضي ساعات طويلة في العمل فلا يغادر الجامعة أبداً إلا وقد أدى ما عليه من واجبات ومهام. وكان كريماً جداً يبذل من ماله بسخاء لكل مناسباتنا.

 

 

 

 

عُرف بورعه، وتقواه، وكثرة صلاته، وصيامه، كان مكتبه مسجداً تقام فيه صلاة الظهر يومياً، وكم من المرات رأيته يبحث عمن يشاركه صلاة الجماعة لصلاة العصر بعد أن يكون أغلب الموظفين قد غادروا الكلية، فقد كان قائداً وإماماً وطبيباً في الوقت ذاته.

 

لم يكن يبخل على أحد بعلمه وخبرته فتجده ينصح هذا ويوجه هذا بروح تربوية حانية ومحبة، وكم من المرات قام بوصف أدوية لنا حين نكون مرضى، وكان دائماً يشجعنا على اتباع النظام الصحي في الأكل وهو يردد "المرء طبيب نفسه".

 

رحل الأستاذ الدكتور/ (بزدوي) اليوم ولكن أثره سيبقى خالداً، وعلمه سيكون شفيعاً له بإذن الله، فقد أدى أمانة الطب العظيمة بكل إتقان، فكان أباً للأطباء ومداوياً للمرضى، وأدار كليتي الطب والتمريض بكل حرفية ومهنية، ووقف على رأس الكثير من المشروعات العلمية في السلطنة.

 

المصاب عظيم، والخطب جلل، والحزن عميق، وكل لغات العالم لا يمكنها وصف ما نشعر به من وجع وألم لفقده، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، (اللهم تقبله بقبول حسن واجزه عن الإحسان إحسانا، وأنزله منازل الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا).

--:--
--:--
استمع للراديو