الوصال - مازن الغشري 

 

لم يكن خبر نعي الشيخ سعود بن علي الخليلي مجرد إشاعة فقد أكدّ الخبر المفجع تلاميذه ومريدوه والوطن أجمع، وحينما وصلني الخبر اتصلت بجدي وأبلغته الخبر المهول فردّ مفجوعًا : " إنا لله وإنا إليه راجعون، المصاب بليغ  رحمه الله وغفر له"، ولسان حالنا يقول فقدنا خليليًا بقيّة الإمامة الخليليّة.


وما أن أنهيت المكالمة إلا وتناوشتني الذكريات وأنا أستمع إلى الشيخ سعود وهو يحكي الحكايا عن إمام العلم والعمل الرضي الخليلي - رضوان الله عليه -، فما يبدأ حديثه إلا ويذكر أقوال الإمام ويستشهد بأفعاله، ولا يفتئ يختم حديثه إلا ويدلل على جميل صنع الإمام، ومن أراد أن يسمع حديثًا عن الإمام فالشيخ سعود كان الراوي صاحب السند الصحيح.


ومع فجر النهضة المباركة كان الشيخ سعود محل ثقة السلطان الماجد قابوس بن سعيد، فكان على رأس وفد الصداقة، حاملًا رسائل الوئام من سلطاننا صديق العالم لقادة الحكومات العربية برفقة معالي يوسف بن علوي وباقي أعضاء الوفد الرفيع.


وفي التشكيل الوزاري الجديد لحكومة السلطان الماجد كان الشيخ سعود محل ثقة السلطان مجددًا فتولى الحقيبة الوزارية لوزارة المعارف، وقد صادفت الثقة أهلها؛ فالشيخ سعود أهلٌ لكل فضيلة، وكفى به عارفًا للحقوق والحدود، وهو ابن البيت الخليلي، وتلميذ المدرسة الخليليّة، ورائد من رُواد الحاضرة نزوى، وكفى به مربيًا فاضلًا، وعالمًا عاملًا، فكان كما أراد السلطان.


وحمل الشيخ سعود الحقيبة الدبلوماسية فكان سفير عُمان والسلطان إلى المحروسة "أم الدنيا"، فتعمقت العلاقات بين السلطنة وأرض الكنانة بجميل حنكته وسديد حكمته رغم اضطراب المنطقة في ذلك الوقت.


ولا ريب أن الشيخ سعود من المخضرمين؛ فهو من القلائل الذين عاصروا زمن الإمامة الخليليّة والهنائية وعاشوا عهد النهضة المباركة، ومن كان كذلك فهو موسوعي خَبرَ العصَر والمِصر، وفطِن للصغيرة والكبيرة، وأدرك المفقود والموجود، وتضلع بكبيرات الأمور، وقامت له الزعامة الخليلية كيف لا وهو من أرومات آل الخليل أصحاب التاريخ المشهود والمعدن المحمود.


واليوم نودع الشيخ سعود وداع لقاء؛ فإن كانت اللقاءات التي جمعتني بالشيخ الخليلي لن تتكرر مرة أخرى إلا أنني سألتقي به عندما أزور بيت السبحيّة مجددًا الوفاء، وسيزورني - متفضلًا - بهالاته الممردة بالمجد كلما ترنمت بقصائد أمير البيان الشيخ الشاعر عبدالله بن علي، وسأذكره كلما التقيت بالشيخ المكرم محمد بن علي وأنشَدَنا الملاحم والقريض في مجلس السبت عند السيد قحطان، وسيمرني طيفه عندما أقرأ صفحة من تاريخ عُمان الشامخ، وسألتقيه في كتب التاريخ؛ إذ أنني ‏أقرأ كتب التراجم فأجد تأشيرة الشيخ سعود الخليلي بقلب الهامش ترجح المعلومة، وأقرأ كتب المحققين فأرى رأي الشيخ يؤكد الخبر، وليت نبأ وفاته إشاعة تاريخية تحتاج إلى نفي من الباحثين عن التاريخ. وعند لقائي به في كل مرة أقرأ تاريخ عمان حيثما كان إنسانها؛ فالعزاء للتاريخ والقطِر العماني.


إنّ عميد البيت الخليلي يفارقنا، وها نحن اليوم نطوي صفحة من صفحات أهل الكفاح، ونودع وطنيًا من صُناع النجاح، ونواري الثرى ذاكرة التاريخ العُماني، نودعك يا شيخنا وداع لقاء
وداع لقاء
وداع لقاء.

--:--
--:--
استمع للراديو