الوصال - حمود بن سالم السيابي


أطلَّ الشيخ خليفة على السياسة ووالده الشيخ زايد بن سلطان بطول الجغرافيا العربية ببدويَّته وبِشْتِهِ وغَتْرَتِهِ وعِقالِهِ يبني ويعمر ويحل ويعقد ويؤاخي ويطفئ الحرائق السياسية ، تاركاً له إعمار أبوظبي وبناء الإنسان في أبوظبي.
ومع كل أَوْبَةٍ للوالد الفارع الطُّول من جلسة صُلْحٍ أو رحلة مقناص أو انتهاء مركاض للنُّوق أو سَمَرٍ في بادية الشِّعر كانت أبوظبي تكبر وتتزين وتشرئب لتطاول صاحب "الطَّولات".
وبينما الوالد الشيخ زايد يضاعف أرصدته في الوجدان العربي من إعادة بناء -مصر ما بعد حرب العاشر من رمضان- إلى بناء سد مأرب ، إلى الإسهام في إعادة مكتبة الاسكندرية كان الشيخ خليفة يبني أبوظبي لكي تليق ببشت أبيه وغترته وعقاله وقصائده ونوقه وخيوله.
وفي الثالث من نوفمبر عام ٢٠٠٤ كان على الشيخ خليفة أن يملأ موقع والده في الإمارة وفي الدولة.
وأن يرث بشته العربي وغترته وعقاله واسمه ونهجه وَصِيتَه ووصاياه.
إلا أن الشيخ خليفة واجه اعتلالين بعد سنوات قليلة من تسلمه الرَّاية وتمثلا في اعتلال جسده واعتلال جسد الأمّة العربية.
وقد واجه الاعتلال الأول بالتَّجَلُّد والصبر ليخدم الدولة حتى آخر نفس فذلك تكليفه، وتلك أمنيته ووصيّة والده.
وواجه الاعتلال الثاني بالإيمان بأن الأمَّة العربية ولَّادَة ، وأنَّ طويلي الهمم والهامات الذين يشبهون والده سيولدون يوماً ليَشْدد بهم الأزْر إن مدَّ الله في العمر.
وأن هذه الأمَّة التي شُرِّفَتْ بالخيرية "كنتم خير أمَّة أخرجت للناس " لا بد وأن تنبض فيها أرومات الأخيار فتنهض بإرث أخيارها وتصحِّح البوصلة وتدرك "أن من آذى مسلمًا بغير حق فكأنما هدم بيت الله".
وأنَّ فلسطين وإن تغلَّب عليها المتغلِّبون ستبقى عربية الأرض والقُبب والمآذن والصلبان واللسان.
وأنَّ الأقصى عهدة عمرية.
ولقد ترتَّبَ على اعتلال الصحة ابتعاد الشيخ خليفة بن زايد عن المشهد العربي لكيلا يرى أمَّته اليوم بمثل هذا التشرذم
وفي هذه الجمعة الباكية التي يُنكَّسُ فيها علم الدولة بل وأعلام الدول العربية فإن موكب الشيخ خليفة بن زايد يمر في ذات الدروب التي شقها بنفسه ، وبجوار نفس الساحات الممرعة بالعشب التي بسطها ، وبين البناء الذي أعلاه وزخرفه.
وكما جاء أبو سلطان إلى الحكم نقيَّاً ، خرج نقي الثوب واليد واللسان ، ليلتحق بركب آبائه العرب الأقحاح أرومة وجذورا وأصالة وانتماء.
رحم الله الشيخ خليفة بن زايد فقد كان نِعْمَ الخليفة.
——————————
مسقط في الثالث عشر من مايو ٢٠٢٢م.

--:--
--:--
استمع للراديو