الوصال - سالم العمري

كل المؤسسات الإعلامية والصحفية تسأل كيف يمكن مواصلة تأدية دورها في تقديم العمل الصحفي الذي يخدم الإنسان والمجتمع في ظل التسارع الذي يشهده العالم على كل الأصعدة، ولعل أكبر التحديات التي تواجه هذه المؤسسات هي المنافسة مع منصات التواصل الاجتماعي والتي تنقل كل العالم عبر أساطيلها إلى المتلقي سواء أكان قارئا أو مشاهدا أو مستمعا والشركات التي تملك هذه الأساطيل هي فيس بوك ( الشرقية ) بما تمتلكه منصات انستجرام وفيس بوك وواتس اب وجوجل ( الشرقية ) وبما تمتلكه من اليوتيوب ومحرك البحث العملاق جوجل وهناك أيضا تويتر وتيك توك وسناب شات وكلها أيضا تشبه شركات الهند الشرقية في قوتها وكل يوم تزداد قوة أساطيل هذه الشركات مما أثر على عمل أي مؤسسة صحفية وإعلامية في كل بلدان العالم، فكأن هذه المؤسسات لديها قوارب صغيرة تنطلق من مرافئ صغيرة أشبه بمرافئ الصيادين تحاول نقل بضاعتها من المرافئ إلى السفن الكبيرة  في عرض البحر والتي تمتلكها هذه الشركات الكبرى وبعدها تقرر هذه الشركات هل تنقل ما حملته هذه القوارب إلى المتلقي النهائي على الطرف الآخر أو ترمى به في قاع البحر،  وحتى لا ترمي ما حملته تلك القوارب الصغيرة في القاع يجب أن تكون تلك البضاعة متميزة ومهمة لأن هناك قوارب كثيرة متنافسة وكل لديه بضاعته والشركات تختار ما تنقله في أساطيلها ثم يختار المتلقي النهائي من البضائع الكثيرة التي تصله في الموانئ التي تملكها هذه الشركات كذلك.

.. واقع جديد

‎أدت سيطرة هذه الشركات الكبرى إلى واقع جديد أهم نتائجه:

١-  أن المؤسسات الصحفية لم تعد الفاعل الوحيد في الوصول إلى الجمهور

‎٢- تراجع مخيف في مداخيل الإعلانات التقليدية لتلك المؤسسات وتراجع الاشتراكات وتراجع المداخيل انعكس على كل الجوانب بما فيها تلك المتعلقة بتوظيف صحفيين جيدين وتوفير الإمكانيات لهم.

‎٣- جاذبية المحتوى الذي تقدمه تلك المؤسسات في ظل أن المعركة على جذب انتباه الجمهور تتزايد يوما بعد يوم.

‎٤- عجز التشريعات في عدد كبير من الدول عن مواكبة تسارع التغيرات التي تصنعها هذه الشركات.

‎كل هذه النتائج متصلة ومنفصلة خلقت الكثير من الأمواج والعواصف في محيط هائل أصبح يضمنا جميعا وهو المحيط الرقمي ولم يعد السؤال على الأقل منذ عقد من الزمن لأي مؤسسة تقدم العمل الصحفي عن هل نستثمر في العالم الرقمي بل كيف نستثمر وكيف يكون هذا الاستثمار مجديا لاستمرارية العمل الصحفي؟

‎وهذا السؤال هو الذي حاولت إذاعة الوصال أن تجيب عليه بشكل عملي وهنا في هذه الورقة أحاول أن أضع أمامكم جزءا من هذه التجربة وكان السؤال الأول كيف يجب أن يكون حضورنا الرقمي:

‎هل الموقع (الويب) أولاً أم وسائل التواصل (تويتر وإنستغرام وفيس بوك)؟ أم المنصات الصوتية مثل ساوندكلاود؟

 

الجواب لدى الجمهور

‎وكانت الإجابة قاطعة أن الذي يحدد الإجابة هو جمهورنا وليس نحن وذلك عن طريق تتبع عاداتهم فكان واضحا أنأ غلب الجمهور في عُمان لا يريد أن يذهب من على تويتر أو الإنستغرام إلى المواقع الإلكترونية ومع أن موقع الإذاعة لايزال هو الأعلى بين عدد زيارات مواقع الإذاعات في السلطنة إلا أننا قررنا أن نستمع لعادات جمهورنا فكانت الأولوية لتويتر والإنستغرام ومن ثم الموقع .

‎ففي عام 2018 كان لدينا على الإنستغرام 18 ألف متابع فأصبحنا في 2022 أعلى الإذاعات على مستوى الخليج في عدد المتابعين على الإنستغرام 310 ألف متابع وفي  تويتر زدنا قرابة ربع مليون إلى 730 ألف لنصبح الأعلى خليجيا بعد إذاعة مارينا إف إم الكويتية التي لديها مليون وهنا يجب التنويه بأنني أتحدث عن الإذاعات فقط وليس عن وسائل الإعلام الأخرى كما أن الاستثمار في بث برامج الإذاعة في قناة تلفزيونية لمارينا إف إم منذ سنوات طويلة يبين مدى القوة الاستثمارية لمارينا اف ام،  ومع أن تويتر والإنستغرام كانا هما الأساس إلا أننا أول إذاعة في سلطنة عمان تستثمر في البودكاست ليس فقط بوضع البرامج على منصات البودكاست ولكن إنتاج برامج خاصة للبودكاست  مع شركاء محليين، ومع أن العائد من هذه البرامج قليل جدا إلا أننا نعتبره استثمارا للمستقبل، كما أننا نحضر بشكل متواصل على المنصات البصرية الأخرى التي يتابعها الجمهور الأصغر سنا مثل التيك توك واليوتيوب وبما أن الإنستغرام برنامج بصري بامتياز فإن الاستثمار في جانب الفيديو وفيما هو متعلق به كان ضرورة وليس ترفا.

 

تطوير الموارد البشرية للدمج الرقمي

‎ثم يأتي السؤال المهم: كيف يمكن أن نتعامل مع تطوير الموارد البشرية فكان السؤال الأول هل نحضر فريقا كاملا منفصلا، فكانت الإجابة: لا. وإذا كانت هناك نصيحة واحدة أؤكد عليها فهي لا لإنهما سيعيشان في عالمين متوازيين قد لا يلتقيان، فكانت تجربتنا هي الدمج التدريجي عضو الفريق الأصغر يعلم الأكبر المهارات التقنية والأكبر يعلم الأصغر المهارات الصحفية والمهنية فأصبح كل واحد من الفريق  يجيد  ست مهارات على الأقل ويتميز في 3 على الأقل.

‎المهارات:

‎الكتابة الصحفية والتحرير الصحفي

‎التصوير

‎المونتاج السمعي

‎المونتاج المرئي

‎الإعداد

‎التقديم

‎الإخراج السمعي

‎الإخراج المرئي

‎استخدام أجهزة البث السمعي هندسياً

‎التدقيق اللغوي

الترجمة

‎كما أننا اعتبرنا أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليس مهارة مهنية بقدر ما هو أمر بديهي مثل القراءة والكتابة.

 

 

نوعية المحتوى: لا للتخصص. ولا للتشتت.

‎المؤسسات الإعلامية في الدول التي سكانها أقل من 5 ملايين ننصحها ألا تتخصص. إذا كنت مؤسسة صحفية لاتتخصص، ولكن لا تتشتت. فحرصنا أن نقدم يوميا محتوى يشمل صحافة جادة حقيقية واتصالات تسويقية ومحتوى ترفيهيا:

‎١- الصحافة: البحث عن كشف ما هو غائب أو البحث عن الإجابات للجمهور سواء كان هذا الجمهور المواطن والمقيم أو صانع القرار وهنا يجب أن تكون المواد صحفية صرفة ولكن الإبداع يأتي في طريقة السرد والإيصال وهنا عمل صميم من عملنا عن طريق تقديم برامج صحفية خاصة مثل ساعة الظهيرة ومنتدى الوصال والأخبار والتقارير الصحفية المصورة والمسموعة والمكتوبة للموقع.

‎٢- محتوى ترفيهي: من خلال برامج مثل صباح الوصال  ووصال دوت إف إم  والفترات وبرامج رمضان.

‎٣- الاتصالات التسويقية: توصيل رسائل معينة محددة من جهات حكومية أو شركات أو مؤسسات مجتمع مدني إلى الجمهور وتندرج كثير من ممارسات العلاقات العامة تحت الاتصالات التسويقية وهناك مؤسسات إعلامية كاملة تقدم فقط مواد علاقات عامة في عالمنا العربي على الأقل، وهنا قد يتداخل الترفيه مع الاتصالات التسويقية ويصبح آصعب في كيفية تنفيذه فيحتاج مهارات إبداعية أكثر احترافاً. وفي الوصال نعمل بين فترة وأخرى مع شركائنا من مختلف القطاعات لتقديم نماذج مبتكرة تجمع بين الاتصالات التسويقية والترفيه

 

بين المرافئ والسفن العملاقة

وفي الختام أعود للعنوان ولماذا حاولت ان أضع هذه الورقة تحت عنوان السباق في ظل شركات الهند الشرقية: في هذا الجزء من العالم عرفنا شركات الهند الشرقية  ليس كشركات ضخمة وعابرة للقارات فقط بل شركات ظل تأثيرها لقرون طويلة اقتصاديا وسياسيا وثقافياً

واليوم كل وسائل الإعلام حول العالم مجرد قوارب صغيرة وهذه القوارب تنطلق من مرافئ صغيرة وفي المرافئ رجل الجمارك المحلي الذي يطالبها بالضرائب وبالرقابة على نوعية البضاعة أحيانا، لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا لأساطيل شركات الهند الشرقية، لأنه لا سلطة له عليها.

‎هل سيأتي يوم وتختفي كل هذه القوارب وتصبح هذه الشركات هي الناقل الوحيد ربما.

‎وهل ستحتل هذه الشركات بلدانا مثل ما احتلت شركة الهند الشرقية الانجليزية الهند يوما ما بعد أن أتت بأساطيلها. ربما يوما ما نعم.

‎ولكن حتى ذلك الوقت لا حل سوى المحاولة ولا حل إلا أن تحاول هذه القوارب وسعها.فكان الله في عون القوارب وهي تعبر العواصف لتصل إلى السفينة الكبرى وفي عونها وهي تحاول نقل بضاعتها من المرافئ. وهي بين تعقيدات رجل الجمارك المحلي في المرافئ وبين المسؤول عن استقبال البضائع وإعادة إرسالها عبر السفن العملاقة التابعة لشركات الهند الشرقية.

 

ملاحظة: هذا المقال جزء من ورقة ألقيتها على هامش فعاليات كونجرس الصحفيين الدولي والذي استضافته مسقط بين 31 مايو وحتى 4 يونيو 2022

--:--
--:--
استمع للراديو